لا يخلو الأدب الحساني من الدموع والنواح شأن آداب كل الشعوب. فالشاعر الحساني يبكي في الواد وعلى الجبل وفوق الربا.. يُـبكيه هجر الحبيبة ومفارقة الخلان، كما يبكي من البين وطول المغيب وشوق الأهل ورؤية المرابع الخوالي وغيرها مما يثير الدموع فتهيج شعرا.
ولأسباب طبقية مؤلمة، كان محمود (المعروف بـ "عبد مسومه") أكثر الشعراء بكاء وعويلا؛ فهو يظل ينوح في دور عفت من معشوقته، بل يجرح خدوده حسرة وحزنا على فرقتها وتمنـُّـعها؛ فيقول:
ابْكـَيْتْ فـ الدارْ انـْكَوْكِي== واجْرُوحْتْ الخدْ إبانُ
وامشاتْ ولـْفِ يـَ يَوْكِي== فـ اسلامتْ اللهْ أُ مانُ
ومن الشعراء من يبكي وحده في واد خال إلا من الذكريات السعيدة. غير أن الشاعر الباكي كثيرا ما يعتب على نفسه من البكاء في سن متأخرة؛ مثال ذلك قول أحدهم:
بَـكـْيَكْ وَحْدَكْ فـ الوادْ== الِّ كبْلتْ مَسَيْنْ
مَاهُ زَيْنْ: انـْتَ عَادْ== شيْبَك تحْتْ الوذنيْنْ
ولعل مقطوعة سعد بوه ولد عبد الجليل أنصع مثال في هذا الصدد، فهو يقول:
حَدْ اكـْصَرْلِ ذ الدَّهْرْ اكـْطارْ== الدَّمْعْ اعْلَ دَارْ امْبَطارْ
حَكْ انْ ذاكْ اعلَ مثلِ عَارْ== أُ يكدرْ يَكْصَرْ حَدْ اتواسيهْ
غيْرْ اكطارْ الدَّمْعْ اعلَ دارْ== امَبَطارْ ابْلا غرظِ فيهْ
فـ الحَكْ انِّ متفكـَّدْ شِ== فـَمْ اعْيَيْتْ انراهْ أبَديهْ
وايْتـَـمْ الدَّمْعْ ألاَّ يمْشِ== وَحْدُ مَان كَاعْ امَّشـِّيهْ
وها هو امهاد ولد أوج يذرف الدموع لمجرد أنه مر ببئر يباب كانت بها حبيبته، فيقول:
فـ افَّيْمْ احْسَيْ أُطَيْتْ اكْبَيْلْ== لعْصَيْرْ امْوَطِّ فَـاثْرْ الْخَيْلْ
انْكصْ أُ عَـجْلاَنْ امْنْ اللَّيْـلْ==وابْغَيْتْ اكْبَالْ انْحكْ اعْلِيـهْ
بيَّ نَعْرَفْ سبّتْ لكْتِـيــلْ==افْـ جِيلْ انْهَارْ اتْوَطِّ فِيـهْ
وَلاَّ حَدِّ بَعْدْ الْحَصَّــــلْتْ== منْ مَوْطَايَ فِيهْ اتْفُ بِيـهْ
رُورَاوْ ادْمُوعِ واشَّقَّبْـــتْ==وانْزَادْ الْحَزْمْ اعْلَ مَا فِيـهْ
أما ولد أحمد يوره (امحمد) فيقترح على "عكْله" (و"العكلُ" نسخة من الشاعر يصطنعها لتكون له نديما في حسراته ووقفاته وخلجاته) أن يبكيا معا في الدار حتى لا يبقى لها حق عليهما، فيقول:
اشـْمَشـَّانَ واشْكَعَّدْنَ== آنَ وانتَ هُونْ أُحَدْنَ
يَـ العَكْلْ افـ دارْ اعْلَ مدْنَ== كبلتْ ساحلْ وادْ احْنيْنَ
كانْ اكْعَدْنَ عنهَ ضعنَ== أُ كانْ امْشَيْنَ عنهَ شيْنَ
ما فتْ آنَ وانتَ لثنيْنْ== يـ العكْلْ ابْكَيْنَ واشْكَيْنَ
واتمَثنـَيْنَ فـ الدارْ إليْنْ== من حق الدارْ اتنجَّيْنَ
نقلا عن موقع التيسير